هل القدر هو الذي يصنع ما نكون أم نحن من نصنع قدرنا بما نكون ؟! أكاد أجزم أننا من يصنع قدره بما يخطط ويختاره في حياته من اختيارات لتحقيق رغباته . ما يُولِد القدر هو تخبط الاختيارات البشرية والتقائها ببعضها البعض ؛ إما بالإيجاب فنرى قدرًا في اختياراتنا رائعًا ، ونوفق وننجح بها في تحقيق رغباتنا ، أو تلتقي اختياراتنا بعضها ببعض بالسلب فتصبح خيارات بعضنا معوقًا لخيارات البعض الآخر ، فنجد أن قدر اختياراتنا سيئًا وتحل بنا المعوقات - الابتلاءات - التي تعوق تقدمنا باختياراتنا لتحقيق رغباتنا . فننحني عنها وإما أن نصبح سلبيين بسلبية القدر ونغوص في عالم الاكتئاب والاستسلام ، أو أن نعيد الكرة ونخطط من جديد ونضع اختيارات جديدة ؛ لعلها تنجح هذه المرة ، ولا تتلاقى بالسلب مع اختيارات غيرنا . منا من يعاند ويتمسك باختياراته القديمة التي تلاقت مع اختيارات غيره بالسلب ويحارب ويصارع من أجلها ليحقق بها -لا بغيرها- رغباته المنشودة ؛ فيصنع من قدره حالة صراع وتخبط دائمة ، هذا القدر له سبيلين لا ثالث لهما ؛ إما أن يستسلم سالكه ويدخل دائرة الاكتئاب العميق ، او أن ينجح في الانتصار باختياراته فيجعل ذلك -ممن تلاقت اختياراته باختياراته بالسلب- إما أن يستسلم ويغوص في أعماق عالم الاكتئاب ، أو أن يعيد الكرة ويخطط ويرمي نرد الاختيارات من جديد .
وبما أن جين التحدي -جين- سائد في السلالة البشرية ؛ لذلك نجد أن الأغلبية العظمى من البشرية الإنسانية تعيش في صراعات ملاقاة اختياراتهم بعضها بعضًا بالسلب . ونجد على أطراف دائرة الصراعات من يسقط ضعيفًا هزيلًا مغلوب على أمره لم يستطع أن يثابر ويواصل الصراع على اختياراته ؛ فيدخل دائرة الاكتئاب أو يعيد الكرة باختيارات جديدة . إعادة الكرة هي -ذات نفسها- محاولة من محاولات التحدي والاستمرار في دائرة الصراعات في عالم البشرية الإنسانية ، فالبشري -ذو جين التحدي - عندما يجد نفسه مهزومًا لا محال باختياراته السلبية القديمة ؛ لا يرى أمامه إلا أن يعيد التحدي باختيارات جديدة ، وهكذا حتى يحقق رغباته . ويقع غيره -بسببه وبسبب تحقيقه لرغباته- إما في دائرة الاكتئاب ويخرجون من دائرة الصراع ، أو يعيدون الكرة باختيارات جدد .
أمّا عن دائرة الاكتئاب ؛ ففيها ما يلبث البشري إلا أن يجد نفسه منصاعًا لاختيارات غيره -من بشريِي عالم الصراع - التي تعُود عليه بالسلب ؛ وذلك ليس إلا لأنه يصل إلى مرحلة أنّه لا يريد من تلك الحياة إلا أن يعيش ليأكل. ، رافضًا لخوض أي صراع ، متقبلًا بالقدر المنزل عليه ممن هيمنوا عليه باختياراتهم الإيجابية لهم ، السلبية عليه . يصل البشري الاكتئابي في مرحلة أعلى من دائرة الاكتئاب إلى اللذة والسعادة من الاكتئاب ، ويرى من الاكتئاب هو رغبته المنشودة ؛ فيبدأ في وضع اختياراته لاكتساب وتحقيق مزيدًا من الاكتئاب والخنوع . فتتلاقى اختيارات البشريين الاكتئابيين -أيضًا كما عهدناها في عالم البشريين الإنسانيين- إما بالإيجاب فيخلقون قدرًا اكتئابيًا رائعًا يعيشون فيه خنوعهم واكتئابهم ، أو تتلاقى بالسلب فيخلقون قدرًا اكتئابيًا مليئًا بالعقبات الاكتئابية ، ويدخلون في صراعات اكتئابية لا يجدون فيها من مفر لأي عالم أو دائرة أخرى ؛ لأن عالم البشرية الإكتئابية هو العالم السفلي ، هو العالم الثالث .