الاثنين، 11 ديسمبر 2017

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- الفرخة العملاقة (٥)


(٥)
الفرخة العملاقة



في صغري اعتدت أن ارتكن على سريري ناحية الحائط، أحوط ساقي بيدي، وأنظر إلى السقف أحادث صديقي التخيلي، كان عبارة عن نقطة في السقف، تخيلته طفلًا - مثلي- يعيش بين نقاطٍ أخرى، هي عبارة عن أبيه وأمه وأخوته، في بيت مصنوعًا من النقط كذلك، له جيرة لطيفة -أيضًا - من النقط، لم أعرف قط سر اهتمامي بالنقطة، إلا عندما قرأت قول الحلاج، في أن النقطة هي أصل كل خط، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين، كنت لا أبصر إلا نقاط مجتمعة، أو متفرقة، فالأشياء من حولي ما هي إلا مجرد نقاط تشكلها، ففي النقطة الأصل، أصل الوجود، ودائرة وجودنا من لحظة ميلادنا إلى لحظة السكون - دائرة الحقيقة- ماهي إلا نقاط تتلاحم حتى الفناء. في ذلك اليوم حدثني صديقي التخيلي عن شجار والديه الذي استمر من الليلة السابقة، ظل يحدثني عن شجارهما ثلاث ليالٍ متواصلة، كان يجلس مثلي يركن على سريره متقوقعًا، يسمع صراخهما نافذًا كل الأبواب المغلقة، عابرًا كل طبقات الظلام حتى يخترق أذنيه، يخيفه شجارهما، يجعله يرتعد، يهيئ له أن تلك الليلة هي نهاية العالم، لم يخبرني لما يتشاجران، ولم اسأله، فكنت أعلم. تلك الليلة كانت عيد ميلادي الرابع، هنأني صديقي التخيلي، تحسست طريقي في الظلام، لأريه هدايا عيد الميلاد، كان عيد ميلادًا رائعًا في أحد المطاعم التي كنت أعشق دجاجه في طفولتي، لكنه كان أغرب عيد ميلاد مر علي، أتذكره جيدًا بكل تفاصيله، ظل يشغل تفكيري ليلتها، حتى التقيت صديقي وأخبرته بما جرى، فو نحن نحتفل ونغني، ظهر أمامي مخلوق غريب، عبارة عن فرخة ضخمة، عملاقة جدًا، تحمل البالون بيدها، تقترب مني، بحركة بطيئة، تهز رأسها يمينًا ويسارًا بشكل عجيب، ابتسامتها مخيفة، ظلت تقترب مني، وتقترب، ارتعبت ، مدت يدها لي، أخذت منها البالون، وكلي ذهول، ما هذه الفرخة العملاقة!؟ كيف هي بتلك الضخامة!؟ لماذا أنا وحدي من ارتعب من ضخامتها!؟ لماذا الجميع مبتهجون وسعيدون بوجودها!؟ الكل يضحك وينظر لي، لماذا هم غرباء هكذا !؟ استدارت تلك الفرخة العملاقة، وتحركت ناحية مطبخ المطعم، ركضت خلفها، هل أحلم؟ أم تلك فرخة حقيقية وعملاقة!؟ فتح لها الجرسون بابًا، ذلك الباب يُنفذ إلى ظلام، لا أرى منه شيئًا، دخلت الفرخة، ظلت تتوارى في الظلام تدريجيًا، أريد أن ألحق بالجرسون قبل أن يغلق الباب ، وأركض وألج من ذلك الباب، رغبت في أن أعرف ذلك العالم الذي فراخه بتلك الضخامة، لكن للأسف، فأبي جذبني من يدي، وعاد بي إلى الطاولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...