الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- بوب مارلي استايل (4)

(4)
بوب مارلي استايل


وقفت أشعل سيجارة في بهو المستشفى الخاص الذي كنت أعمل به مع صديقي الممرض، أحب ذلك الصديق، اغترب عن قريته، ليعمل ويتنقل بين المستشفيات ليعول منزلًا مكونًا من أب وأم وزوجة وطفلتين، كان مهمومًا باستمرار، واعتدت أن أركن معه على حائط غرفة الطوارئ، ننفث دخان السجائر مع نسمات الهواء البارد، النميمة معه كانت لها لذتها الخاصة، أخبرني ليلتها عن الرجل الذي أتى في مرة بعد منتصف الليل، تجره زوجته، لا يقوى على الحراك، حينها فحصاه هو والطبيب، ووجدا علاماته الحيوية طبيعية، ولم يجدا به أية علة، وأخبرا زوجته نكاية فيه، وتركاهما بمفردهما في الغرفة، ليسمعانها تعاتبه وتقول "هو أنت عشان معرفتش تعمل عيان!؟" ظللنا نضحك من القلب، في لحظتها هجم علينا مجموعة من الشباب، دخلوا مسرعين، حاملين أحدهم ينزف، ركضنا خلفهم، ارتمى على السرير، كان ينزف من ضهره، كشف الممرض ضهره، لنجده مطعونًا عدة مرات، عدلته لأفحص علاماته الحيوية، لأجده دون نبض، فحصت بؤرة عينه، لم تستجب للضوء، حاولنا أن ننعشه، ولحظتها أدركت في نفسي أننا في خطر، الشاب متوفي، وأصدقاؤه هؤلاء من ملامحهم لن يتركونا أحياء، اقترب مني الممرض، وهمس في أذني، أن أحد أصدقائه هؤلاء هو من طعنه، هنا أدركت أنها النهاية لا مفر، لم استطع إخبارهم أنه متوفي، كل الذي كان يشغل بالي حينها أن يؤخذوا مصيبتهم تلك بعيدًا عني، أخبرتهم أنه مازال حيًا ولكنه في حالة خطرة، وأن إمكانيات المستشفى لا تسمح، ويجب أن ينقلوه إلى المستشفى العام في أسرع وقت، بالطبع لم يتقبلوا ذلك بسلاسة، فالمستشفى العام يعني نقطة شرطة يعني سين وجيم، أصريت في أن هناك الأمل الوحيد لإنقاذه، وأن ما يفعلونه مضيعة للوقت، وبذلك سنفقده، وبعد مناوشات كثيرة من ناحيتي وأخرى من صديقي الممرض، حملوه، وخرجوا. هنا أخرجت من فمي زفيرًا مطولًا، بعد موقفًا طويلًا ومنهكًا كذلك، يكون أقصى أمانيك أن تجد ركنًا هادئًا تزيح فيه إرهاقك، وتسكن فيه إلى روحك، تشعل سيجارة وتنفث دخانها مخرجًا معها كل المراجعات التي تدور في ذهنك عما فعلته وما اقترفته، إن كان صحيحًا أم خطئًا، لكن في النهاية تستكين لأنك نجوت بمن معك من طعنة أحد المخمورين هؤلاء. هاتفتني في تلك الليلة، ظللنا نتحادث ونضحك، أحب ضحكتها، وخاصة عندما تعلق ضاحكة على كلامي وتقول متعجبة: " يا سلام!" كنت اتعمد أن أنكشها، كي تعيدها على مسامعي، لم استطع نسيانها مطلقًا، في تلك الليلة أرسلتلي صورتها لتريني (بوب مارلي استايل) فقد صففت شعرها على هيئة شعر بوب مارلي، ولكنه وبعد عودتها من خروجتها، كان قد اختفى ذلك البوب مارلي استايل، وظلت تحاول إقناعي بأنه بوب مارلي استايل، وأنا أصر أنه لم يعد هناك بوب مارلي استايل، لتضحك وتقول متعجبة: "يا سلام!" اتذكر ذلك اليوم كأنه أمس، افتقدها من كل قلبي، افتقد تلك اليا سلام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...