الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- شارع الجعيص (3)



(3)
شارع الجعيص

كان من عادتي أن أمشي بعد منتصف الليل أجول في الشوارع، وأسرح مع أفكاري، وفي هذه الليلة أخذتني قدماي إلى الجعيص، وغوصت في حواريها، حتى ظننت أنني تهت، صعب علي الخروج، أريد العودة إلى المنزل، ولكنني تهت حقًا، حتى استوقفني شابان، من مظهرهما وأفعالهما هما حتمًا بلطجية وتحت آثار مخدر ما، استوقفاني، فبالنسبة لهما أنا غريب عن المنطقة، أرادا الاستيلاء على نقودي وهاتفي والساعة، رفع أحدهما علي مطوة، وأخرج الآخر سنجة، اعترف أنني ارتعشت رعبًا، لوهلة وقف بي الزمن، ودار شريط صورة في مخيلتي لما سيحدث، هل سيقتولنني، ويرمون بجثتي عند قارعة الطريق؟ أم سيأخذان النقود، ويتركونني في سلام؟ أأردعهم وأدافع عن نفسي، طالما أنني في كلا الحالات سأموت فلأمت وأنا أدافع عن كرامتي، ولكن لو مت! ماذا عن أمي!؟ هي أول من جاء على خاطري لحظتها، جاءتني تجلس بالأسود تبكي في ركن غرفتها، دموعها لا تجف، تذكرت كم اللحظات التي سأفتقدها عند موتي، تذكرت من قست قلوبهم علي، ورأيتهم يبكونني، لماذا يبكون!؟ لماذا تبكي قلوبهم حرقة، وهي التي كانت قاسية كالحجارة في وقت ما. تذكرتها، رأيت عيناها الواسعتان مبتسمة وتنظر إلي، أريد تقبيلها واحتضانها مودعًا قبل أن أموت. تداركت كل ذلك عندما سمعت أصوات الصفافير في كل مكان، رأيتهما يركضان، يهربان من شيء، وصوت الصفارة ينتقل بين أركان حواري الجعيص، البيوت جميعها أطفأت أنوارها، صرت في الظلام، ثم سمعت بعدها سارينة سيارة البوكس، تقترب من ورائي، وصوت أعيرة نارية من أمامي، وبعدها من خلفي، ركضت كالمجنون، ركضت لا أدري وجهتي، ركضت دون تفكير، كانت الاشتباكات في حميتها، ولجت من بوابة عمارة، ركضت على السلم حتى السطح، كان جسمي منتفضًا، خفت أن يراني أحدًا، نظرت من سور السطح اتلصص، كان المنظر بشعًا جثثًا وأشلاء في كل مكان، إنني في وكر تجار المخدرات، أتت التعزيزات سياراتا جيب من الداخلية، رأيت الضابط يحمل الأر بي جي، ويوجهه صوبي، شاهدت سبابته وهي تضغط على الزناد، موجهًا القذيفة ناحية المبنى، قفذت دون تفكير، في مكب النفايات، واستيقظت على صوت ديك في أحد الأسطح يؤذن في الصباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...