الأربعاء، 30 أغسطس 2017

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- فتاة المترو (2)

(2)
فتاة المترو

الست كانت ملاذها للسكينة، في حزنها وفي وقت فرحها، تتمدد على السرير بجسمها النحيل وتسرح مع الست، عيناها الواسعتان كانتا -دائمًا- محملتين بعبء، كانت دومًا سارحة، تفكر باستمرار، كنت أهاب قرائتهما، كنت أخشى الغرق، لم أقوى على قراءة أفكارها، لم استطع استيعاب كم التعقيدات التي بداخلها، جميعنا بتعقيدات، لكنها منفردة، مختلفة، مختلفة عن الجميع في كل شيء، كانت أقوى من كل ما مرت به، تحارب ولا تستسلم، ذات مرة قالت لي لا مكان للخايب في هذه الحياة، خلقنا لنعيش، وأنا قررت أعيش. أتذكرها دومًا في أوقات قوتها، حاولت أن استرجع لحظات ضعفها، لحظات بكائها، لحظات محاولتها للنوم الذي هجرها، فتستكين في حضني، وأقصص عليها حكاية وادغدغ شعرها، لكن لحظات قوتها هي الحاضرة دومًا، أحببتها من صميم فؤادي، لكنني فشلت في انتشال قلبها.في طريق عودتي من المستشفى إلى المنزل، استقليت المترو، من أسعد لحظات حياتي أن أجد القطار مكيفًا وأنا اتصبب عرقًا، أبحث عن المكان المناسب أمام فتحات التهوية وأقف، أأخذ حمام هواء بارد سريع ينعشني، لمحت مكانًا خاليًا على الكرسي، مسحت سريعًا بعيني هل هناك من يستحق هذا المكان عني، فلم أجد، فجلست، سندت ضهري، وأغمضت عيني وأخذت تنهيدة، أريد أن اتخلص منها، هي في تفكيري طول الوقت، إنها كذلك اللحن الذي يلصق في أذنك ولا يذهب، سعيد به وأكرره واتناغم معه، ولكنني أريد أن انتهي منه وأمضي قدمًا، فتحت عيني، رأيت ملاكًا يجلس أمامي، ليس من عادتي التحرش ولا حتى التلصص، لكن ملامحها وابتسامتها الطفولية خطفتني، عيناها العسليتان وأنفها الخانس، وشفتاها الصغيرتان، ووجنتاها الحمراوتان، خطفني كل ذلك. سرحت مع ملامحها، أقتربنا من محطة العتبة، وقامت واقتربت من الباب، تنتظر الوصول، وتثاءبت وعيناها في عيني، تثاءبت أكثر بعفوية، دون أن تدرك أثر حضورها على كل من بالعربة. تثاءبت حتى رأتني والتقت عيوننا، ابتسمت أنا بتلقائية، ضحَكت، وضحِكَت، ظللنا نضحك، وظلت عيوننا تتعرف على بعضها، فُتح باب العربة، حيّت عيناها عيناي، واختفت داخل الزحام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...