المتعصب
هو المشتهي لانتصار عقيدته على عقيدة الآخرين ، والذي يشتهي الاستعانة -
عند اللزوم - بالعنف لتدمير عقيدة الآخرين ، وهو ما يسببه وهم امتلاك
الحقيقة المطلقة . وعند توهم مجموعة أفراد بامتلاك المطلق ، يصبح لدينا عدة
مطلقات ، وإذا تعددت المطلقات تدخل في صراع وحروب ، إذ تعايش المطلقات أمر
مستحيل ، فالمطلق واحد لا يتعدد بحكم طبيعته . وإذا طبقنا نظرية دارون
للتطور ، نجد أن المطلقات تدخل في صراع من أجل الوجود ، والبقاء للأصلح !
فالخروج من هذه الدائرة المفرغة من الصراع لا يأتي إلا بإعمال العقل من
غير معونة الآخرين ، أي لا يكون سلطان على العقل إلا العقل نفسه ، فلدى كل
منا عقلين : عقل يفكر ثم ينعكس على ذاته فيكون عقلا آخر يفكر فيما يفكر فيه
، وهذا العقل الثاني هو العقل الناقد .
ومن هنا فإذا كنا نؤيد
نظرية دوران الأرض ، فمن الضرورة أننا نؤكد على أن الأرض ليست مركزًا للكون
، وعندما لا تكون الأرض مركزًا للكون ؛ لا يكون الإنسان بدوره مركزًا
للكون ، وعندما لا يكون الإنسان كذلك فلن يكون في إمكانه امتلاك الحقيقة
المطلقة ، مما يترتب عليه أن الإنسان محكومًا بما هو نسبي ، وحتى لو تطلع
إلى امتلاك المطلق ، فلن يكون باستطاعته امتلاكه ، وما دون ذلك فهو وهم .
لذلك وطالما أننا محكومون بما هو نسبي ، فالتفكير في النسبي يكون بما هو
نسبي وليس بما هو مطلق ، وعندما نتفكر في السياسية -وهي نسبية- يجب أن
نتفكر بما هو نسبي ليس بما هو مطلق ؛ فنتفادى صراعاتنا المبنية على أوهام
امتلاك المطلق . يجب علينا أن ننزع من أفكارنا السمة المطلقية ، دون أن
ننفي المطلق ، لأن المطلق في هذه الحالة ، يصبح حالة عقلية ، لا علاقة لها
بتنظيم المجتمع ؛ فسلطة الفرد فوق سلطة المجتمع ، لذلك تنظيم المجتمع محكوم
بموافقة بشرية ، فيصبح محكومًا بحكمًا نسبيًا ، لا حكمًا مطلقًا .
المرجع : رباعية الديمقراطية - مراد وهبة