الأحد، 9 ديسمبر 2012

بين المطلق والنسبي

المتعصب هو المشتهي لانتصار عقيدته على عقيدة الآخرين ، والذي يشتهي الاستعانة - عند اللزوم - بالعنف لتدمير عقيدة الآخرين ، وهو ما يسببه وهم امتلاك الحقيقة المطلقة . وعند توهم مجموعة أفراد بامتلاك المطلق ، يصبح لدينا عدة مطلقات ، وإذا تعددت المطلقات تدخل في صراع وحروب ، إذ تعايش المطلقات أمر مستحيل ، فالمطلق واحد لا يتعدد بحكم طبيعته . وإذا طبقنا نظرية دارون للتطور ، نجد أن المطلقات تدخل في صراع من أجل الوجود ، والبقاء للأصلح !

فالخروج من هذه الدائرة المفرغة من الصراع لا يأتي إلا بإعمال العقل من غير معونة الآخرين ، أي لا يكون سلطان على العقل إلا العقل نفسه ، فلدى كل منا عقلين : عقل يفكر ثم ينعكس على ذاته فيكون عقلا آخر يفكر فيما يفكر فيه ، وهذا العقل الثاني هو العقل الناقد .

ومن هنا فإذا كنا نؤيد نظرية دوران الأرض ، فمن الضرورة أننا نؤكد على أن الأرض ليست مركزًا للكون ، وعندما لا تكون الأرض مركزًا للكون ؛ لا يكون الإنسان بدوره مركزًا للكون ، وعندما لا يكون الإنسان كذلك فلن يكون في إمكانه امتلاك الحقيقة المطلقة ، مما يترتب عليه أن الإنسان محكومًا بما هو نسبي ، وحتى لو تطلع إلى امتلاك المطلق ، فلن يكون باستطاعته امتلاكه ، وما دون ذلك فهو وهم .

لذلك وطالما أننا محكومون بما هو نسبي ، فالتفكير في النسبي يكون بما هو نسبي وليس بما هو مطلق ، وعندما نتفكر في السياسية -وهي نسبية- يجب أن نتفكر بما هو نسبي ليس بما هو مطلق ؛ فنتفادى صراعاتنا المبنية على أوهام امتلاك المطلق . يجب علينا أن ننزع من أفكارنا السمة المطلقية ، دون أن ننفي المطلق ، لأن المطلق في هذه الحالة ، يصبح حالة عقلية ، لا علاقة لها بتنظيم المجتمع ؛ فسلطة الفرد فوق سلطة المجتمع ، لذلك تنظيم المجتمع محكوم بموافقة بشرية ، فيصبح محكومًا بحكمًا نسبيًا ، لا حكمًا مطلقًا .


المرجع : رباعية الديمقراطية - مراد وهبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...