الجمعة، 30 مارس 2018

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- عم عتيق ودراجته الهوائية (7)

(7)
عم عتيق ودراجته الهوائية


صوت عبد الباسط عبد الصمد مبتهلًا يأتي في الذاكرة مقترنًا بآذان صلاة العشاء من مسجد الشاذلية في الشارع المجاور لبيت جدي، كنت أقف وراء الشباك أنصت له ممتزجًا مع نسمات عليل هواء الإسماعيلية، مع صوت همهمات وضحكات الأطفال يلعبون السبع طوبات أسفل شجرة المستكة القابعة أمام باب جدي. مسجد الشاذلية كان يغلب عليه اللون الأخضر،  الابتهالات والتسابيح في الشاذلية لم يكن لها مواسم أو أوقات معينة، كانت طوال أغلب اليوم، "الصلاة والسلام عليك، يا إمام المجاهدين، ويا خاتم الأنبياء والمرسلين، يا نبي الرحمة، يا سيدي يا رسول الله". كانت توجد غرفة على يمين المنبر، كنت اتلكع ما بين صلاة المغرب والعشاء لاتصنت منبهرًا، يجلس المسبحون حول الإمام يرددون خلفه: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك". بعد صلاة العشاء يأخذني جدي خلفه على دراجته الهوائية، لنذهب إلى أبو حمدي البقال لصرف التموين، كان جدي يعطيني دفتر التموين لأحمله، كنت أنبش به لأطالع صور إعمامي وعماتي وأيضًا أبي صغارًا بالأبيض والأسود، أبي كان يشبه أخي الصغير حينها، نمر بجانب الأطفال يلعبون تحت شجرة المستكة، أنظر لهم أغيظهم وكأني ذاهب في رحلة. في طريقنا كلما مررنا على أحدهم كان جدي يحييه، سواء يعرفه أو لا يعرفه، كنت استغرب فعلته، فيردد لي دائمًا: "حب الناس ليك يدوم بأبسط الحاجات"، في طريق رحلتنا بالدراجة إلى أبو حمدي البقال كنا نمر بجوار بائعة الطعمية، كان ينظر إلي يراني منتشي من رائحة طعميتها اللذيذة، ويغمز لي ويخبرني بأننا سنشتري الطعمية في طريق عودتنا. نحمل تموين الشهر، ويحيي جدي أبو حمدي البقال، نعود أدراجنا إلى البيت، فنمر بجوار ألبان السلسبيل، أقفز من خلف جدي لأشتري الزبادي البلدي وتُمن جبنة اسطنبولي، ونذهب لبائعة الطعمية واشتري الطعمية، ونعود للمنزل.كان جدي يضع السكر على الزبادي، كان يحبها بالسكر، وأنا أحببت حبه لها، وجدتي تقطع البطيخ المثلج، وتقلي البيض بالسمن البلدي والطماطم، ونجلس لنتابع ليالي الحلمية على القناة الأولى. جنازة جدي كانت مهيبة، يومها ومع الكم المهول من الناس التي أتت حزينة على فراقه. تذكرته بابتسامته الحنونة وهو ينظر لي وأنا خلفه على دراجته يقول لي: "حب الناس ليك يدوم بأبسط الحاجات" مات عم عتيق، وضاعت دراجته، لكن الذكرى تظل وحب الناس يدوم.

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...