الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

بائع البيض (1)

(1)

يغلق باب بيته، ينحني ليحمل صندوقًا أصفر اللون مرصوصًا فيه بيضًا ملونًا بألوان الطيف السبعة مكررة بشكلٍ مبهجٍ ، البيضات مرصوصات فوق بعضهن حيث احتمالية انكسار أو انشقاق إحداهن منعدمة . يلمح بعينيه ثنايا قميصه الأبيض المهترئ أعلى بنطاله الچينز الأزرق الباهت ، فيعتدل ولا يحمل الصندوق ، يحاول ضبط قميصه داخل بنطاله، يرفع مشط قدمه قليلًا محاولًا مسح حذائه البني المتسخ أسفل ظهر بنطاله ولكن بلى جدوى ، يعود ينحني ليحمل الصندوق، يهم بالانطلاق متجنبًا المارة ، يُسرع بحذرٍ؛ حتى يلحق بحافلة النقل العام التي ستوصله إلى وجهته، يصل ناصية الشارع، يقف منتظرًا لبرهة، ينحني واضعًا صندوق البيض بجانبه ليريح أكتافه. ترتسم ابتسامةٌ على وجهه متذكرًا ليلة أمس، عندما راهنته حبيبته على أن الحمامتين القابعتين أمام نافذة منزلهما - حتمًا - سيقبلان بعضهما، وكم كان أبلهًا عندما سخر من حبيبته ليلتها، وراهنته على أن يلون البيض بألوان الطيف إذا الحمامتان قبلتا بعضهما ، وكم كان أحمقًا عندما قبل الرهان، فعيناه محمرتان منتفختان يكسوهما السواد من السهر طيلة الليل في تلوين البيض. يوقظه من حلمه صوت صفير فرامل الحافلة مع توقفها أمامه، وانفتح الباب، وتدافع الخارجين من الحافلة ، وكاد أحدهم أن يركل الصندوق الأصفر بقدمه؛ لولا أنه تدارك الموقف بردة فعل سريعة والتقط الصندوق رافعًا أياه إلى أعلى. ينتظر نزول هؤلاء - المصاعير على النزول -، يتسلق سلم الحافلة بكل هدوء، يجلس في المقعد خلف سائق الحافلة مباشرة ، فهو دائمًا ما يعتقد أن ذلك المقعد هو أفسح مكان في الحافلة حيث يستطيع أن يضع الصندوق الأصفر أسفل قدميه بأريحية. تتحرك الحافلة، يبدأ بالتلفت حوله ماسحًا بعينيه ركاب الحافلة لعله يرى أحد المعارف أو الأصدقاء، وكالعادة لا يجد أحدًا، يخرج تنهيدة صغيرة من فمه فهو دائمًا عندما يشعر بالامتعاض يخرج تلك التنهيدة وكأنه يخرج ذلك الامتعاض مع الزفير. يلتفت إلى نافذة الحافلة ، يسرح مع السيارات والحركة المتسارعة للمارة والبنايات ، يتذكر حبيبته؛ وكيف لا يتذكرها، فهي بهجة قلبه، ترتسم صورتها أمامه بشعرها البني المقصوص كشعر الصبيان، يطلقون عليه "أ لا جارسون" يعني صبي بالفرنسية ، تبهجه معاكساتها الصبيانية وينتشي قلبه عندما تقترب منه تجر شكاله ومع مخاطبة أنفاسه المتسارعة أنفاسها الحارة تهدأ لتحتضن الشفاه الشفاه ويصافح اللسان اللسان، يعشق ملامسة أنامله خصلات شعرها القصير، ينسدل من الجانبين خصلة بنية رقيقة يعشقها ويعشق دغدغدها لوجنتيه. عيناها عسليتا اللون حائرتان واسعتان برموش كثيفة داكنة السواد، لا تراها عين إلا ويصيبها سحرهما وتهيم في جمالهما، أنفها ويا جمال أنفها لشموخه سحر يعلو به قلبه ويهبط ، شفتاها عندما يراها يجوع وإن كان شبعان يهم بالتهامهما بين أسنانه ولا يمنعه إلا سحر رقبتها فيعلو زفيره لتصطدم حرارة أنفاسه برقبتها فتعود إليه مسكًا يفوح بجمالها، نهدَيْها كثمرتا مانجو سكري تنتظران -في لهفة- أوان قطافهما. وما أحلى عصير المانجو! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات مخبأة في درج الكوميدينو- أشرف دولسي (1)

(1) أشرف دولسي في حقيقة الأمر لم أعد أكترث، مشيت خطوتين بالعدد قاصدًا المقهى، لكنني تراجعت، وقررت العودة، والصعود إلى منزلي، مشيت خط...